- أسماء الله الحسنى
- /
- ٠2أسماء الله الحسنى 2008م
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى ( الرفيق ):
أسماء الله الحسنى لها تطبيقات عملية للمؤمن:
أيها الإخوة الكرام، لازلنا في اسم ( الرفيق )، وهذا الاسم له تطبيقات عملية، تخص الإنسان المؤمن، بل إن كل اسم من أسماء الله الحسنى له تطبيقات عملية تخص المؤمن.
(( يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ ))
عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ))
عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ ))
حظُّ المؤمن من اسم ( الرفيق ):
ما حظ المؤمن من هذا الاسم ؟
1 – الرفق بالنفس في التكاليف والعبادات:
أولا: ينبغي أن يكون الإنسان رفيقاً بنفسه، فقد يفعل من الأعمال ما لم يحتمل تبعتها، نفسك مطيتك إلى الله فارفق بها، وهناك أعمال تسبب بعدًا عن الله، وأعمال تسبب غيابا بينك وبين الله، فارفق بنفسك، ولا تحمّلها ما لا تطيق، فهذا الذي يستقيم على أمر الله عز وجل، هذا الذي يقف عند حدود الله، هذا الذي يتقرب إلى الله يسعد نفسه بالقرب إلى الله، أما إذا عمل أعمالاً لا ترضي الله فقد أقام باختياره وبفعل يده حجاباً بينه وبين الله، فحمّل نفسه من آلام البعد وجفوة المعصية ما لا يطيق.
لذلك ورد في الأثر:
" نفسك مطيتك فارفق بها "
فأول حظ من حظوظ المؤمن من هذا الاسم أن استقامته على أمر الله تجعل هذه الاستقامة الطريق إلى الله سالكاً، إذًا: هو ينعم في جنة القرب، وفي الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، والدليل:
﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) ﴾
قال بعض العلماء: " مساكين أهل الدنيا، جاؤوا إلى الدنيا، وخرجوا منها، ولم يذوقوا أطيب ما فيها، إن أطيب ما في الدنيا القرب إلى الله عز وجل "، هذه اسمها جنة القرب.
يقول بعض العلماء: " ماذا يفعل أعدائي بي ؟ بستاني في صدري، إن أبعدوني فإبعادي سياحة، وإن حبسوني فحبسي خلوة، وإن قتلوني فقتلي شهادة، فماذا يفعل أعدائي بي؟ ".
أيها الإخوة، الإنسان يسعد لقربه من الله، فإذا فعل بعض المعاصي والآثام، أو إذا قصر في بعض الحقوق كان الحجاب بينه وبين الله، فحمّل نفسه مالا تطيق، لذلك نفسك مطيتك فارفق بها، هذه من ناحية، من ناحية ثانية لو أن الإنسان حمل نفسه، من العبادات ما لا يطيق ينطبق عليه قول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( إن هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق فإن المنبت، لا أرضا قطع، ولا ظهرا أبقى ))
لذلك افعل من الأعمال ما تطيق:
فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ، قَالَ:
(( مَنْ هَذِهِ ؟ قَالَتْ: فُلَانَةُ، تَذْكُرُ مِنْ صَلَاتِهَا، قَالَ: مَهْ، عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ، فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا، وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَادَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ ))
وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( سَدِّدُوا، وَقَارِبُوا، وَاعْلَمُوا أَنْ لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ، وَأَنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ ))
افعل من العبادات ما تستطيع أن تستمر عليها، أما هذا الذي يفور، ثم يضعف، خطه البياني صاعد صعودا حادا، ثم يهبط هبوطاً مريعاً، فليست هذه حكمة من عند المؤمن.
(( فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا ))
افعلوا ما تطيقون.
(( وَأَنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ ))
فالإنسان له مجلس علم يحافظ عليه، له أوراد يحافظ عليها، له تلاوة قرآن يومية يحافظ عليها، الاستمرار ينشأ عنه حالة اسمها التراكم، تراكم العبادات، تراكم الأذكار، تركم التلاوات، هذه تفعل فعلاً عجيباً، تعمل قرباً من الله عز وجل.
لذلك أول بنود الرفق: ارفق بنفسك، لا تحمّلها من المعاصي والآثام ما لا تطيق، لا تجعلها في جفوة عن الله عز وجل، ولا تحمّلها من العبادات ما لا تطيق، عندها تكون هناك نكسة، البطولة أن تكون العبادات مستمرة.
(( وَأَنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ ))
الغلو إما بالتفريط أو بالإفراط، إذًا نفسك مطيتك، فارفق بها، هذا أول بند من تطبيقات اسم ( الرفيق ).
الرفق في الإنفاق من تمام الرفق بالنفس:
حتى في الإنفاق، قال تعالى:
﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (195) ﴾
من أدق تفسيرات الآية، أنفق في سبيل الله، لأنك إن لم تنفق تلق بنفسك في التهلكة، وقال بعض المفسرين: أنفق في سبيل الله، فإنك إن أنفقت مالك كله تلقِ نفسك في التهلكة، لذلك سيدنا رسول الله ما قبِل من صحابي ماله كله، إلا الصديق فقط، كان يرفض أن يأخذ مال الصحابي كله.
﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (195) ﴾
تهلك إن لم تنفق، وتهلك إن أنفقت مالك كله، في ساعة فورة إيمان تنفق مالك كله، فإذا أصبحت فقيراً ربما انتكست، لذلك نفسك مطيتك فارفق بها، هذا المعنى الأول.
2 – الرفق بالنساء:
أقرب الناس إليك زوجتك، فلذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم:
(( أكرموا النساء، فو الله ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم ))
هذه رفيقة العمر، هذه شريكة العمر، ينبغي أن ترفق بها، هي أقرب الناس إليك، وهي أولى الناس بحسن معاملتك، وما مِن إنسان كامل، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ ))
هذا رفق بالإنسان، الإنسان بحكمة يسعد بزوجة من الدرجة الخامسة، ومن دون حكمة، وعن طريق العنف يشقى بزوجة من الدرجة الأولى، لذلك أكبر عطاء إلهي الحكمة، قال تعالى:
﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا (269)﴾
(( أكرموا النساء، فو الله ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم ))
(( اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ ))
النبي الكريم يوصيك بالمرأة.
ومن أدق ما قرأت في قوله تعالى:
﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (19) ﴾
قال بعض المفسرين: " ليست المعاشرة بالمعروف أن تمتنع عن إيقاع الأذى بها، بل أن تحتمل الأذى منها ".
هذا رفق بالإنسان، والبيت فيه لطف، فيه إلقاء سلام، فيه ابتسامة:
(( كان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا دخل بيته بساماً ضحاكاً ))
كان يقول عن النساء:
(( لا تكرهوا البنات، فإنهن المؤنسات الغاليات ))
والحب تصنعه أنت بيدك، بابتسامه، بإلقاء سلام، بالتسامح، أحياناً بالمعاونة.
عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ: مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي أَهْلِهِ ؟ قَالَتْ:
(( كَانَ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ ))
كان يكنس داره، ويرفو ثوبه، ويحلب شاته، وكان في مهنة أهله، فمعاونة الزوج برفق شيء رائع جداً، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الخيرية في البيت، فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( خَيرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي ))
يمكن لأخلاق الإنسان خارج البيت أن يكون أن تنضوي تحت مصلحته، بالتعبير المستعمل الآن ( بيزنس )، لطفه وأناقته، وسلامه وابتسامته جزء من عمله، حتى ينتزع إعجاب الناس، ويحقق مصالحه، لكن في البيت لا رقابة عليه، لذلك بطولة المؤمن أن يكون في البيت رفيقا بأهله، محتملا لبعض الأخطاء، وما مِن شيء يعكر الصفاء بينه وبين زوجته، يتسامح معها، وتتسامح معه، قال تعالى:
﴿ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ (6) ﴾
بالمناسبة، قال تعالى:
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا (180) ﴾
من معاني هذه الآية: أنك تتقرب إلى الله بالتخلق بكماله، الله عز وجل رفيق يحب كل رفيق، فمن التخلق بكمال الله أن تكون رفيقاً، فإن كنت رفيقاً كان الرفق وسيلة إلى الدخول على الله عز وجل، تتقرب إلى الله بالتخلق بكماله، فإذا كان الله رفيقاً بعباده فكن رفيقاً بمن حولك، وأقرب الناس إليك زوجتك.
السيدة عائشة مرة حدثت النبي صلى الله عليه وسلم فترة طويلة عن أبي زرع وأم زرع، وحدثته عن شجاعته وكرمه، وأنه كان زوجًا نموذجيا، لكنها تأسفت أشد الأسف حينما أعلمته في النهاية أنه طلقها، فكان عليه الصلاة والسلام رفيقا بها، فقال لها: أنا لك كأبي زرع لأم زرع، غير أني لا أطلقك.
هذه الزوجة مَن لها غيرك ؟ أحيانا لا يحلو للزوج إلا أن يمازح زوجته بشأن الزوجة الثانية والطلاق، هذا ليس من مزاحاً، بل يقيم هوة بينه وبينها، ويجرحها، أوقد يكسرها بهذا المزاح، لذلك ترفّق بهذه المرأة التي جعلها الله هدية لك.
إذًا: أكرموا النساء فو الله ما أكرمهن إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم، إنهن مؤنسات غاليات.
كان عليه الصلاة والسلام إذا دخل بيته بساماً ضحاكاً، وكان في مهنة أهله، وهذا نوع من الرفق، وكمال الإنسان يتبدى أوضح ما يتبدى في بيته، وينبغي أن تكون بيوتات المسلمين جنة بالود، ليس بالخبز وحده يحيى الإنسان، فلو جئت بطعام نفيس، لو أسكنتهم بيتاً فخماً، هم يريدون مودتك، يريدون ابتسامة، يريدون الحب، والمرأة بالذات الحب يغلب عليها، أطعمها طعاماً خشناً، وكن لطيفاً معها أفضل ألف مرة من أن تطعمها طعاماً نفيسا ثم تقسو عليها، والحب بيدك، وهناك مقولات يقولها العوام، بعد فترة يألف كل منهما صاحبه، وينعدم الحب بينهما، هذا كلام بخلاف ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام، قال عليه الصلاة والسلام:
(( الحمد لله الذي رزقني حب عائشة ))
ومن سعادة المرء أن يحب زوجته، لأنها حليلته، ولأنها أم أولاده، والأمر بيدك، الله عز وجل ما كلفنا ما لا نطيق، قال تعالى:
﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا (286) ﴾
ينبغي أن تكون رفيقا بنفسك ورفيقا بزوجتك.
3 – الرفق بالأولاد:
وينبغي أن تكون رفيقاً بأولادك، الحديث الرائع:
(( علموا، ولا تعنفوا، فإن المعلم خير من المعنف ))
علم ولا تعنف، استخدم المكافآت بدل العقوبات، لا تقل: لو أن رجلا لم يصلِّ الصبح سوف أضربه، هناك كلام آخر، من صلى معي الفجر سوف أكافئه بمبلغ من المال أو بهدية، أسلوب المكافآت رائع جداً، اجعل العلاقة بينك وبين أولادك علاقة طيبة، أنا لا أشك أن كل أب يحب أولاده، لكن يقسوا عليهم اجتهادهاً، وهذا خطأ كبير، حتى إنهم علمونا في الجامعة في علم النفس التربوي أن الأم التي ترضع ابنها، إن أرضعته برقة ولطف فمن نتائج هذا الإرضاع بهذه الطريقة أخلاق رضية، أما إذا أرضعته بعنف فربما كان هذا الإرضاع هو سبب في قسوته أحياناً،.
شيء دقيق جداً، فلذلك:
(( علموا، ولا تعنفوا، فإن المعلم خير من المعنف ))
4 – الرفق بالوالدين:
بقي الوالدان، العطف في اللغة يفيد التجانس.
مثلا: لا تقل: اشتريت مئة دنم من الأرض وملعقة، لا تناسب إطلاقاً، اشتريت أرضا وبيتاً، أو مركبة وبيتاً، ملعقة وشوكة، هل تصدق أن الله سبحانه وتعالى رفع بر الوالدين إلى مستوى عبادته، قال تعالى:
﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً (23) ﴾
لأنه عطف الإحسان بالوالدين على عبادة رب العالمين، فرفع البر إلى أعلى مستوى.
﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً (23) ﴾
لذلك لو أن في اللغة كلمة أقلّ من كلمة أف لقالها الله عز وجل، وإرضاء الأب والأم أحياناً في غير معصية، الأوراق تختلف، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، والدليل:
﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا (15) ﴾
إذًا: لابد من الترفق في معاملة الوالدين، حتى لو عصيتهما في معصية لله ينبغي أن تترفق في عدم تلبية رغبتهما لا بعنف ولا بقسوة.
أيها الإخوة، الأب والأم كانا سبب وجودك في الحياة، والله عز وجل خلق الإنسان:
﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1) ﴾
لكن هذا الإنسان كان عن طريق هذين الوالدين، فلابد من بر الوالدين، والترفق بهما، لذلك:
﴿ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا (23) ﴾
الإنسان مثلا يقول: أنا عندي أربعة أولاد، لما يتقدم في السن أين هو ساكن ؟ عنده ابنه، كان أولاده عنده، فأصبح عندهم، والأب الذي سنه معتدلة بره سهل جداً، وأحيانا يتقدم الإنسان في السن، وبعد سن معينة يكون فيه تكلس في العقل، وأحياناً القصة الواحدة تعاد مئة مرة، وأحياناً هناك أشياء لا علاقة له بها بر الوالدين في سن متأخرة، وهما عندك في البيت هذا شيء يحتاج إلى جهد كبير، لكن هذا العمل البطولي:
﴿ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) ﴾
أيها الإخوة، صدقوا أن الذي يموت والداه وهما راضيان عنه يشعر بسعادة طول حياته، لأنه أدى واجبه بالكمال والتمام، لذلك يجب الرفق مع النفس، ومع الزوجة، و مع الأولاد، والمؤمن رفيق، لأن الله رفيق، ولأن هذا الكمال اشتقه من الله عز وجل، وبه يتقرب إلى الله، وقد كاد الحليم أن يكون نبياً، والحلم سيد الأخلاق.
5 – الرفق بالناس جميعا:
أنت موظف تحت يدك عشرة موظفين، هؤلاء أتباعك، وأنت موكل بهم، تحاسبهم في تفوقهم، وفي تقصيرهم، لذلك الحديث الذي ينخلع القلب له يقول عليه الصلاة والسلام:
(( اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا ـ مدير مدرسة، مدير جامعة، مدير مؤسسة، مدير أي مكان ـ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ ))
تحت يدك عشرة أشخاص،
(( اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ ))
أحينا يحمّل المدير العام الموظفين شيئًا لا يطاق، يطالبهم بأشياء فوق طاقاتهم، ويمنع عنهم الإضافات، ويحمّلهم مالا يطيقون.
بالمناسبة أيها الإخوة الكرام، ورد في الأثر:
" إذا أردت رحمتي فارحموا عبادي "
في الامتحانات يكون مستوى السؤال في طاقة الناس جميعاً، تجد البيوت فيها مآسٍ، لأن المدرِّس أحيانا يرى بطولته في وضع أسئلة تعجيزية، هذا خطأ كبير، أو سؤال غير مدروس، فهو غير رفيقٍ بطلابه.
أحياناً مدير عام يكلف الموظفين بعمل فوق طاقتهم فلذلك:
(( اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ ))
أيّ مدير عام، أيّ منصب قيادي، ارحم هؤلاء الذين هم دونك، كن واقعياً، تلطف بهم.
مرة كنت في دائرة، المدير العام قال لموظف: كيف صحتك يا بني ؟ مرتاح ؟ هل يلزمك شيء، يا الله يمضى شهر لا ينسى المستخدم هذه الكلمات، هذا إنسان مثلك، فكلما تواضع الإنسان مع من حوله قدر صعوبات الحياة، وقدر المتاعب التي يعانيها الموظف.
أحيانا يعرف المدير العام أن المعاش قليل، ولا يكفي، ويكلفه فوق طاقته، وبكلام قاسٍ، بحكم السلطة التي يملكها.
(( اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ ))
صور من رفق سيدنا عمر بالرعية:
سيدنا عمر سأل واليا أراد أن يمتحنه، قال له: << ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب ؟ حسب الحكم الشرعي، قال: أقطع يده، قال له عمر: إذًا مَن جاءني مِن رعيتك مَن هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك، إن الله قد استخلفني عن خلقه لنسد جوعتهم، ونستر عورتهم، فإن وفينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها، إن هذه الأيدي خلقت لتعمل، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية >>.
كان سيدنا عمر كلما قدم إليه والٍ من الولاة يسأله: كيف الأسعار عندكم ؟ من شدة رحمته برعيته، وكان العلماء يسألون أتباعهم إن جاؤوا من سفر: كيف الأمطار عندكم ؟ هذه رحمة.
سيدنا عمر لما تولى الخلافة كان شديداً، فخاف الناس من شدته، فقال: << أيها الناس، كنت خادم رسول الله وسيفه المسلول، وجلواده، وتوفي وهو عني راض، الحمد لله على هذا كثيرا، وأنا به أسعد، ثم كنت خادم أبي بكر، وسيفه المسلول، وجلواده، وتوفي وهو عني راض، وأنا أحمد الله على هذا كثيراً، وبهذا أسعد، ثم آلت الأمور إلي، فاعلموا أيها الناس، أن تلك الشدة قد أضعفت، وإنما تكون على المعصية والفجور، أما أهل التقوى والعفاف فأنا ألْينُ لهم من أنفسهم، وسأضع رأسي على الأرض ليطؤوه بأقدامهم، لكم علي أيها الناس خمس خصال، خذوني بهن، لكم علي ألا آخذ من أموالكم شيئاً إلا بحقه، ولا أنفقه إلا بحقه، ولكم على ألا أجمركم في البعوث، وإذا غبتم في البعوث فأنا أبو العيال حتى ترجعوا، ولكم علي أن أزيد عطاياكم إن شاء الله تعالى >>، هكذا كان.
عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ ))